الشاعر عبيّد محيندان عوض قفزان
من مواليد مدينة سيئون في عام 1321هـ الموافق 1900م بحي السحيل ساحة الجامع أو ما يسمى حافة (الديّن)
عاش وتزوج بمدينة سيئون وغيرها من سبع نساء وله من الأبناء الذكور أربعة أولاد ومن الإناث بنتان .
بدأ حياته الشعرية وهو في سنه لا يتجاوز (17) سنة حيث توفى والده وهو في سن الطفولة تولى تربيته أخوه الكبير (أحمد) وقد كان يعمل مع أخيه في الزراعة لدى أسرة اشتهرت بالعلم والأدب وهي أسرة العلامة/ محمد بن على الحبشي حيث كان يشاركهم في كثير من المساجلات الشعرية برغم أنه (أمي) لا يعرف القراءة والكتابة حيث يعتبر العلامة الحبشي المرجعية الدينية لشاعرنا وذلك حين يصفه لنا في الأبيات التالية حيث يقول :
أنا شيخي قوي كل صاحب علم يفتيه
محمد بن علي قصر في الجنة سكن فيــه
كما توجد له مساجلات شعريه في الدان الحضرمي مع أبناء حافته أمثال (عبيد عمر بريكان وعبد الخير ومحفوظ سعيد باجرذانة والمغني هادي بكار) وله أغاني كثيرة على الدان الحضرمي إلا أن الزمن لم يسعفنا لتدوينها نتيجة لغياب ذالك الجيل الذي كان معاصراً لتلك الفترة من الزمن وقد تحصلنا فقط على تلك الأبيات المشهورة له و التي يقول فيها :
سبيّه على زانة عليّه
صدقة مع المدحي قويّه
خيفان من ربي وعاد الأمر لسلطان
قل للمقصف لاطلع لانحرها ينفغ لخو هادي بثنتين
وقد كان (بن قفزان) يتمتع بذاكره قوية يحفظ فيها الكثير من قصائد شعراء وادي حضرموت ويتغنى بها من أمثال (بوريا وبن زامل وربيّع سليم و غيرهم) كما أنه اشتهر في ذلك الوقت بالقصيدة المرتجزة (المرزحة) المصاحبة بالرقص والمرح والتي تعتمد على الهاجس (الحليلة) لما تحمله من سحر وغموض وإيقاعات قوية تلهب الحواس و تحمل تحت طياتها النقد والتحليل. حيث كانت القصيدة الشعبية المصدر الأساسي لتلقي الأخبار في ظل غياب الإذاعة والصحافة والتلفاز لذلك تراهم يتشوقون دائماً لسماع تلك القصائد حين يجتمعون لها في المناسبات وخاصة حفلات الزواج التي غالباً ما يكون (أبن قفزان) ضيفها بدون منافس خاصة عند الطبقات الفقيرة و التي تمثل قطاع واسع من المجتمع . حيث يلتفون حوله يبادلونه شوق المشاعر ولهيب الانفعالات وهم يرقصون طرباً مع دقات ذلك المرواس الذي يملا السـاحة بدقاته وهو يوزع عليهم بأغانيه آخر المستجدات على الساحة المحلية و يوقد لهم شمعة تحت جنح الليل على نغمات الدندنة حين تسمعه يقول في هذه الأبيات :
بني مغـراة بعـد الـجـفــــــاء والبـعـــد والصـــّـــد ** رفيــــــــــع المـنــــــــــزلة مـــّدلي بربــــــع جنيـهــــــات
مشـــــاخص من ذهـــب لنــقريــزي عــّدهـا عــد ** مصــــــافي حاميّــــــــــة في ميّـــــــة وآلاف لميــــــــات
طرحنـــا الحمل بعده طلقنـا القيــــد والشّـــد ** وقــــال الليـــــل وعدك رشـن عا الكهربـا نـيـات
طفنــا البـيت لعظــم قبضنــا الركــن لسعـد ** قـــرينـــــا أركان لســـــــلام عنــده والتـــحيـــــات
قريــنـــا الفـاتـــحـة والســــور بــالقــصــر والـمـد ** وختّمنــا المعـــــلم على السبــــــــع القرايــــــــــــات
وصلوا عا النـــبي مــن حضــر يذكر محمــد ** فتحنـــا البــــاب يا مرحبـــــا يـــــــوم السهــــالات
فــتحنــــــا البــــــاب يا هـاجـسي كانــه مــقــلـّـد ** وجبنــــــا شــــي مخبـــــــأ وظهّـــــرنا العلامـــــــات
ونــا ســلّيـــــك صفّيــــــك يــا لقـــــلب المنــكّــــد ** تنــمنــم روحــــــت من عشيّـــــــة فـــــوق عينــــــات
وهكذا يصوغ لنا (بن قفزان) بلسانه المتموجة تلك الأبيات في أبسط صورها حتى يزيّن بها مسامع الحضور و يطرب قلوبهم ويهز أجسادهم ليغسلها من هموم الدنيا و متاعبها لذلك كثيراً ما ترى المزارع يتغنى بها في حقله و العامل في بنائه ليتناسوا بها ما يعانونه من نكد الدنيا كما يقول في هذه الأبيات :
الحمـــد لله بعـــــد الضيــــق بتنسّــــــم
باجيب كـــلمة وبفكــــر في معــانيــهـا
مقــــالة النــــــاس ما با نام لجل احلــم
بعض الحـــلم عيــف والسبحة يعكيـــها
مــــا شفت قطمـــــير يا مسعود يتنـــــدم
ســـم الــحنش في الحمه ولعاد يرقيــــها
وهكذا دائما تجده يهز القلوب و الضمائر بكلماته الساحرة ذات المدلول العميق وبما تحمله من غموض في بعض الأحيان. لذلك كان هناك اعتقاد بأن الشعر الشعبي المرتجز نوع من السحر والجن و أنها تساعدهم على مواجهة المجهول و حمايتهم من مفاجئات المستقبل وقد يرجع السبب إلى ذلك الاعتقاد إلى أن هذا النوع من تلك القصائد كانت تعتمد على الخلق والابتكار أي أن كلماتها تسبق عصرها في بعض الأحيان بل ويصعب أحيانا فهم هذه الكلمات كما في الأبيات التالية :
ذا فصــــل مــابك بدل يا هاجســـي ** باعـســكر خـيـــولـــك و الـركــاب
من ديك يصـــرخ وسط منبـــر علي ** بــالـــمـــروحـــه عا رؤوس الشـــــــعــاب
مــالي صرخ قـــال ما حــد بايـجــــي ** والـــــهر تحتـــــه يحــــوس والكـــلاب
الأصهـب يهــــلـل ولا هــــو مستــحي ** مـن عــــــادة الـحبل ماكـن ما رتــاب
ياديــك شـــف عــــــادك الا ما هـــري ** لاوالله أن وســـــــــط بـطـنـي مـطــاب
راقـــب مـــــولاك لــي هـــــو ما جـــــي ** لي هو عليك انطرح شوكي ذباب
بــاقـــــولــه يارفيـــقي صــــــوب بـــــــي ** با مـر عــنـــد المـــداوي والــطــبــــاب
قالــــوا لي الديــك بايـنـفـع بـــتـــي ** واليوم نبـا الديك منك بالطـلاب
شــف ذاخـــبر والخــبر ما يــنقـــري ** لا قلــــت إشارة بكفك جيت حـــا
كما تلعب القصيدة الشعبية دوراً كبيراً في كشف كثير من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقد كان من أبرز تلك القضايا لشاعرنا (بن قفزان ) تلك المساجلة التي ألقاها مع أثنين من شعراء الوادي وهم (مستور حمادي ومحفوظ النجار) وذلك حول حرب السلطان الكثيري والقعيطي ضد بن عبدات أمير منطقة الغرفة و الذي تمرد عليهم في تنفيذ معاهدة عدن عام 1936م. ودخلوا معه في حرب حيث ساندتهم قوة عسكرية من بريطانيا في هذه الحرب. لذلك استنكر شاعرنا و زملاؤه هذا الحلف الظالم الذي تكالب على بن عبدات في هذه المساجلة الشعرية التي أثارت ثائرة السلطان ألكثيري وزجت بشاعرنا (بن قفزان) وزملائه في السجن. حيث كان(بن قفزان) أول من فتح أبيات تلك المساجلة بقولته المشهورة و هو يعرف نفسه بها في بداية شعره (يقول خو الأربعة) فهو أخ الأربعة أخوان وهم (أحمد وهادي ومحفوظ وعاشور). وقد كانت هذه المساجلة على النحو التالي :
قفـزان : يقول خـــو الأربـــعة قفــــزان ذي علة قــــدر
المجلة في الآجــل وأهــــــل المناحــــة محزنـــــين
مستور : القبولة ما تصـــلح ألا لــبن خـالــد عمــــر
لـي سوس الحول والغرفــة ومثــوى بـا متـــين
النجـار : متى بــاتــبـتنــي يــــاذ المصــــــون يا لمـــــــــــدر
وأهل الجر يدي من الخدمة ورآهم واقفـــين
قفـزان :ماتصلح ألا لبـاشــادي لي يدفــــرهـا ســـــتر
يخـرب ويبــني ولا يقعـد في الفـــاج الضخــين
مستور : الجلجل الا غلي يا ويل أبوكم يالعصــر
الجلــجــل الا مصـون تــحـــت مــلــة بــامتـــــين
النجـار : عصيــد مثنــاة كعدة حل مندرها خطـر
وانتي حسبتـيـــة تحتــش يالوسيـعـه تـلقمـين
قفـزان : بنت بــاشراحيـــل في الســروال لقت مصــر
اهلش من أهل التجارة من زمـن متقــدمــين
مستور : من امــس والحر يوقــدنا ولا شفته مطــر
ما تمطــر الا عـلى حـذيه وهـيـنن والعنــــــــين
النجـار : العــلب لي زحــف المنشـــار وعيــال النجـــر
يا لي سرحتوا في الجــذنة ضويتـوا زاحفــين
قفـزان : حيــــدين متـــكـاشفة والنـــاس في زره وحــر
أربع رحايا لقـوهـــن مـا يدققـــن الطـحـــــــــين
وهكذا تشكلت لنا بصمات النقد في أبيات شاعرنا بن قفزان وهي تعيد للمجتمع ولادة الأيام وما تحمله من مفاجئات حيث لا تكتفي بعرض المشكلة التي تواجه مجتمعه ولكنه أيضاً يبين لهم المخارج و الحلول التي تفيدهم و لهذا كانت كلماته قوية و حادة كالسيف تقض مضاجع الظلمة والفاسدين لما يرافق ذلك النقد من حراك اجتماعي في أوساط الشعب بكل قطاعاته الذي يتطلع نحو البناء لمستقبل أفضل في مجال الحياة و التطور . كما في هذه الأبيات التي ينتقد فيها أوضاع البلاد وما تعيشه من تدهور حيث يقول :
يــقول خـو الأربـعة ضاعـت مـخـوط الكـيرخانه
حتى اللوالب غايره جابو لها هندي على سكانها حال
وقد تعرض على أثر هذه الأبيات لتهديد شديد اللهجة من السلطان والذي هدده بأن يقطع لسانه إذا عاد لمثل هذا الكلام حيث تم نفيه بعد ذالك إلى شرق أفريقيا هو والشاعر مستور حمادي أما الشاعر النجار بحكم أنه أعمى فقد تم عقابه بالسجن وقد ودّع شاعرنا بن قفزان أهله وأصحابه ووطنه بهذه الأبيات :
والعفو يصحابي عزمنــــــا عا السفـر
مـــا نــفــعت الصحبــــة ولا الأهليـــــــــّة
وسلام من عندي على كل من حضر
بالليـــــل يـــسمر يقــطــع ألحنيّـــــــــــــــــــه
غـــن يا لـــمغني هــبــت أنواد الظفــــــــر
عشـــــــــاك تــــــضوي بـــه في الكوفيــــــــــــّة
عشــاك عرقه ما كـــــسبته من غــــدر
ضــــــليـــت تتحـرك قفـــــا ألربيّــــــــــــــــــــــــه
وله أبيات أخرى عندما كان في المنفى حين علم أن أخيه متألم جدا لنفية و صار مشغول البال عليه لا يدري ما ذا ستفاجئه به الأيام فبعث إليه يسليه بهذه القصيدة التي بقية منها هذه الأبيات فقط والتي يقول فيها :
شطيت لأحمد لحقت وجهه غدّر
أرض السواحل قنّعتنا أســـــفارها
قــل ياعــــلي مـاحــال بايتــــــــكـــــدر
وادخل الى المسـجد نوير أبـــكارها
وادخـل إلَمَّا الحـوش كلح وتفكر
فوقه جمل كم من قطيره غارها
والعفــــــو ياسادتي لاحــــــــد يحــــتر
خدامكم ضيـــّـع جميع أفــــكارهـــــا
فنلاحظ هنا في البيت الأخير من القصيدة أنه يعتذر لمشايخه على ما بدر منه . فقد مشى في طريق لا يرتضون أن يكون بن قفزان أن يسلكها حتى وصل به الحال إلى النفي والاغتراب و البعد عن الوطن والأهل والأحباب نتيجة لهذا التوجه من الأشعار . حيث عاد بعدها إلى بلاده وعمل في مجال البناء خارج مدينة سيئون بوادي دوعن في منطقة حريضة مع مجموعة من أصحابه لفترة طويلة . وفي آخر حياته عمل بالفلاحة في (حيط مسجد حجاجه)الذي يقع بالقرب من بيته في حارة (الدّيّن ) بساحة جامع مدينة سيؤن حيث يصف لنا هذا المكان من خلال الأبيات التالية التي يقول فيها :
ونافي حيط حجاجه المبروك ما أخطيه
مسجد له إشارات يسعد من ركع فيه
مكان أهل الحسن شيدوا وحكموا مباني
حيث يقع هذا المسجد تحت نظارة عائلة (آل بوحسن) وهو مجاور لمزرعتهم التي تسمى (بن سهل) لذالك فقد أحاطوا شاعرنا بكثير من الرعاية والاهتمام حتى أنه لشدة حبه لهم قال عنهم هذه الأبيات التي أثارت حفيظة آل بوحسن لكلماتها العنيفة في الدفاع عنهم حيث يقول فيها :
وما بن ســهل عنـدي كما بومبـاي وما فيه
وفيـــــه ألليـــــم والمـــــــوز مسبي في معـــــــــاديــه
مكان أهل الكرم لا ضوى الطارش مسا فيه
ويبشر بالنســـم والدســــم كــــليــن يـعـطـيـه
خــــلـوفت بــــوحســـــن بانــــعادي من يعـــاديـه
ومن خـاســـر عليـــــهم مـــــرض بايبتلــي فيـه
مـــرض مـــا له دواء غـيـر دوب الوقـــت يـاذيـه
وذا عـــــــرفي و ان شــــــي قـــــصر لازم نــــــــوفيـه
كما تصف لنا هذه الأبيات معالم وحدود (حارة الديّن) تلك الحارة التي نشأ وترعرع فيها شاعرنا (أبن قفزان)حيث يقول
ذا فـصــــــل في الدنيــــــا فتـحنـــــا بــاب يا هــاجـــــسي** نسيـــر من الديّن البــــرك لي حل به كم من ولي
مـــن دار بـــحــــــرق حــدنــــا لا حـــصن حــله بـــوعلي** أربــــــــع مـعاصـــيــره وبـــوغــلبــيـــن بــالنــــــوره زهــــــي
يا لديّن فيك أسرار من سابـــق زمـن ما نته خلي** الـــمحــضرة حق الـحـسن لــي ســاسـها نــــوره قوي
والـــجار بـــوبكري كبـير النــفس لــي مــا يــختفي** يــــصلح خــراب الديـــن أن حــد قــــال أو شـــاف شي
هــــذا مـكان أهـــــــله وهــو مــن عــقبـــهـم داره بـــــنـــي
وأخيرا نتمنى أن نكون قد أعطينا هذا الشاعر حقه متمنين أن يجد من ذوي الاختصاص كل الرعاية ولاهتمام. وأترككم الآن لكي تتصفحوا تلك القصائد التي تغنى بها شاعرنا قفزان والتي قد يكون بعض هذه القصائد لشعراء آخرين إلا أنها وجدت مسجله بصوته على شريط كاسيت سيتم تسليمها لأحد الاستوديوهات التي سيتم الإعلان عنها عند صدور هذا الديوان إن شاء الله لمن أراد ذلك حيث سيساعد الشريط على فهم كثير من الكلمات التي يمكن أن تصعب على البعض قراءتها وكذلك الإطلاع على هذا اللون من تراثنا الحضرمي الأصيل لتلك الفترة من الزمن .
وكانت وفاته في 15/ رمضان عام 1396هـ الموافق 1975م
بعد عمر ناهز (76) سنة في خدمة الشعر والدان.
إنا لله وإنا إليه راجعون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق